حول رواية الشيطان والآنسة بريم لباولو كويلو

 
 
عندما تقرأ لـ (باولو كويلو) عليك أن تتأمل بعمق تحليله الدقيق للطبيعة البشريّة..في هذه الرواية التي تحلل جانبي الخير والشر في الإنسان سؤالٌ مهم أعتقد أنه محور الرواية:  هل نحن أخيار بالفطرة أم أننا نفعل الخير لأننا نخشى العقاب سواء الدنيوي أو الأخروي؟! وتختلف الناس بالطبع في مقدار هذا الخوف تبعاً للبيئة وظروف النشأة وخلافه.
تقوم أحداث الرواية حول النادلة (شانتال بريم) التي تعمل وتقيم في حانة الفندق الوحيد في قرية (بسكوس) الصغيرة التي يبلغ تعدادها مائتان وواحد وثمانون شخصاً و(الغريب) الرجل الغامض ذو الماضي المؤلم الذي وجد في القرية المكان الملائم لإثبات أن البشر أشرارٌ بطبيعتهم ،فجاء إلى القرية حاملاً معه إحدى عشر سبيكة ذهبية من الممكن أن تحل أزمات (بسكوس) كلها شريطة أن يختار سكانها واحداً منهم ليقتلوه مقابل حصولهم على السبائك وقد استغل (شانتال) في تنفيذ خطته الشيطانيّة ووعدها بأن تكون لها إحدى السبائك إذا نجحت في تنفيذ مهمتها.
(بسكوس) مدينة صغيرة فقيرة مهددة بالزوال لعدم وجود أطفالٍ بها لأن الجيل الجديد نزح إلى المدن بحثاً عن حياة أفضل ،سكانها طيبون بسطاء لا تتملكهم المطامع لكن الغريب عزم على إثبات عكس ذلك.
هذه الفكرة هي معضلة الرواية :هل يمكن للشخص البسيط الطيب أن يصبح قاتلاً أمام إغراء المال؟! ولماذا هو طيب؟ هل لأن الطيبة هي فطرته الحقيقية أم أنه يخشى ارتكاب الشر خوفاً من العقاب؟! (كل منا يحمل مشنقةً في أعماقه)* .
يحاول (كويلو)  الرد على هذه الأسئلة من خلال ثلاث صراعات رئيسية في الرواية:
أولاً: الصراع الذي تعيشه (شانتال) مع نفسها وشيطانها كونها أُرغمت على مشاركة الغريب في لعبته .
ثانياً: الصراع الذي يعيشه (الغريب) مع خوفه من فشل مهمته وإثبات عكس ما يتوقع بوجود أناسٍ صالحين.
ثالثاً: الصراع الذي عاشته (بسكوس) ما بين ترددهم في قبول أو رفض الفكرة مع محاولاتهم القوية لوضع مبررات القبول.
ثم يأتي دور الدين الذي يُمثله كاهن القرية ويضع الناس على عكس المتوقع على طريق الشر ليخوضوا التجربة بأنفسهم ويستشعروا مدى فداحة الجريمة..فربما يجب أن يرتكب الإنسان شرّاً ما في حياته كي يدرك قيمة الخير.
من الرائع أن تقرأ رواية ولا تستطيع توقع نهايتها..بالفعل لم أستطع توقع من المنتصر الخير أم الشر ،ولو أن النهاية لم تكن مُقنعة بالنسبة لي كثيراً ،من وجهة نظري أرى أن الإنسان قد خُلق وبداخلهِ الخير والشر معاً ولكن يطغى إحداهما على الآخر مع مرور الوقت ومادام قد خُلق الإنسان ناقصاً فستظل نوازع الشر تتملكه كـ( الإنتقام ،الحقد ،الحسد ، الخبث...وغيرها) ولا يمكن ردعها إلا بقوة الإيمان ورسوخ الفضيلة.
*مقتبسات
-في البدء لا تصدِّقي الوعود فالعالم مليءٌ بها: ثراء..خلاصٌ أبديّ ،حبٌّ سرمديّ. يعتقد بعض الأشخاص بأنهم جديرون بإغداق الوعود ،ويتقبل البعض الآخرأي شيءٍ يضمن لهم أياماً أفضل. فالذين يعدون ولا يفون يشعرون بالعجز والكبت ،وينسحب الأمر ذاته على من يتشبّثون بالوعود.
-لقد اكتشفت إننا إذا ابتلينا بالغواية فسوف نستسلم بالتأكيد. والبشر مُهيّئون إذا اقتضى الأمر لارتكاب الشر.
-إن البشر يريدون تغيير كل شيء ويتمنون في الوقت عينه أن يبقى كل شيء على منواله.
-ليست الرغبة في الخضوع للقوانين هي التي تلزم الجميع بما يفرضه المجتمع، بل الخوف من العقاب ، كل منا يحمل مشنقةً في أعماقه.
-منذ متى يمكن الركون إلى وعود السياسيين؟!!
 
ندى
8-4-2016
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدهر الجهنمي

مُجاراتي لقصيدة (تعالَ) للشاعرة القديرة عطاف سالم..

ردي على قصيدة (إلهي أبعد الواشين عني) للشاعرة الكبيرة (زاهية بنت البحر)