الهيكل الفارغ


أتهيّبُ اللحظة القادمة..أعتصرُ خوفاً..أحاول-بيدٍ مرتعشة-أن أتحسّس ما بقي لي من أمل أسميتهُ (مشرقاً) في يومٍ ما..ولكن كيف الوصول؟!

وذلك الجدار الصخري قائمٌ على صدري تحرسهُ أشباح الليل...تفغرُ أفواهها لتبتلع

صمودي ،وينابيع صبري، وبراءة الحلْم الذي وسَّدتهُ شذرات الشعور وزخّات الندى،

حتى أوراقي الصغيرة ومحبرتي الشاحبة المداد لم تسلمْ من رعونتها

مالذي سيُشبعُ شراهة الحقد الأسود في أعماقها؟!

وماذا تبقى مني كي أقدِّمهُ قرباناً لها؟!

لجَّتِ الآلامُ في طغيانها...واستوجبتْ قتلي، وعاهدت قسوةَ الرعد الغشوم على تجريدي من ذاتي

وإبقائي كالهيكل الفارغ لا شيء يملكهُ سوى بعض أنفاسٍ خافتة لا تقوى على مجابهة الفناء..

وعندما حاولت العينُ أن تثُجَّ الدمع رحمةً بي وبها

كان الجليدُ قد غطّى حُطامي المُنهك فتحجَّرت الدمعاتُ على مشارفِ الأهداب الساكنة..

ما عدت أشعر بشئ سوى أنّني أنكمشُ وأتكوّمُ في حجرةٍ حديديّةٍ باردة،

لا صوتَ أسمعهُ سوى صدى أنين خيالاتٍ وآمالٍ قابعةً تحت أنقاض صروحها المزيّفة،

لا أرى إلا أطياف أقنعةِ توالت على ذاكرةٍ مُعذَّبة

وطفلةً صغيرة تطلُّ من نافذة الماضي السحيق التي عشّش فيها الذبول

وترمقني بعينين تملؤهما الشفقةُ و الأسى

ترى من تكون؟!

ترى هل هي.....؟

نعم هي....

يا إلهي..كيف لي أن أذكرَها

وما عدتُ أنا هيَ..

ذات يوم وهبت لي أحلامها البيضاء البريئة وطفولتها الغضّة ظنَّاً منها أن الزمان سيبقى وديعاً حالماً يرأف بعصافيرها النورانية ويدعها تحلِّق في تلك السماء القزحية الألوان..

كانت الحياة لديها تقف عند تخوم حذاء (السندريلا) وبيت الأقزام السبعة وحكايات شهرزاد ولياليها المسحورة وذلك الفارس الشجاع الذي أنقذ الأميرة الحسناء من قبضة الغول الشرير..

لم تكن تدري أن أشباه الآدميين قد استوطنوا عالمنا وسيسحقون زهور حديقتها بأقدامهم الملوّثة بوحل الحقد والضيم

وأنّها ستكبر في يومٍ ما لترى ملامح الحياة المُضمَّخة بلون الدماء..

لم تعلم أنهم قد أحرقوا الحذاء وقصفوا بيت الأقزام وذبحوا الشهرزاد واغتالوا الفارس في بدايات الطريق،

أمّا الأميرةُ فقد ماتت كمداً..ولم يبق لنا سوى قهقهاتِ الغول الساخرة..تصعق آذاننا..وتعربدُ في حنايا نفوسنا

كم تمنيت لو آخذُها إلى صدري فأضمُّها وأقبِّلُ وجنتيها وأطلب منها الصفح والغفران...فلم أستطعْ..

فما كانت سوى طيفٍ بعيد

وما كنتُ سوى هيكلٍ فارغ


تعليقات

  1. كم انت رائعة ندا حقيقة خطرات رقيقة ان دلت علي قلبك شفاف نقي
    تحياتي لك وتقبلي مروري

    ردحذف
  2. كارمن..يا صاحبة القلم الرقيق

    تشرفت بزيارتكِ الجميلة لمدونتي

    شكراً جزيلاً على إطلالتكِ الوردية

    لكِ مني باقات ترحيبٍ وود..

    ردحذف
  3. دمتِ متألقة وراقية دائما يا ندا

    ردحذف
  4. عزيزتي فينوس..

    دامت لي إطلالتكِ الجميلة

    ومروركِ العذب

    خالص محبتي وتقديري لكِ،

    دمتِ بألف خير

    ردحذف
  5. صباحك ورد ندى

    صعب أن نفقدنا

    أن نفقد تلك الطفلة بداخلنا

    لنكون فقط هيكلاً فارغ

    نبشته الظروف وسحقته الحياة

    طاب لي صباحي هنا

    دمتِ بسعادة

    تحياتي

    ردحذف
  6. همس الحنين..

    أهلا وسهلا بكِ في مدونتي

    سعدت كثيراً بمروركِ الجميل

    تمر علينا بعض لحظات نشعر فيها بفقداننا لذواتنا

    ولكنني متشبثةٌ بالأمل..

    أتمنى أن تشرفينني بزياراتكِ دوماً..دمتِ بألف خير

    ردحذف
  7. لغتك جميلة للغاية يا ندى
    و انا سعيدة بالتعرف إلى مدونتك :)
    لا توجد أشباح يا عزيزتي.. الأشباح نحن اخترعناها .. و غن اخبرنا أنفسنا انها ليست حقيقية ستختفي .. تماماً :)
    الأمل لن يختنق لأنه مخلوق خالد :)
    نحن فقط .. نعتقد ذلك أحياناً

    ردحذف
  8. عزيزتي شيماء..أنا الأسعد بزيارتكِ الجميلة لمدونتي

    أشكركِ على كلماتكِ الطيبة..

    عندما يتمكن اليأس من قلوبنا

    نشعر بفراغٍ بداخلنا وكأننا فقدنا كل شئ

    نعم إن الأشباح ليس لها وجود لكن آلام الحياة تشعرنا بوجودها أحيانا..

    دمتِ بألف خير يا عزيزتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدهر الجهنمي

ردي على قصيدة (إلهي أبعد الواشين عني) للشاعرة الكبيرة (زاهية بنت البحر)

مُجاراتي لقصيدة (تعالَ) للشاعرة القديرة عطاف سالم..