الإلهة المصرية "ماعت"

 

الإلهة ماعت

العقيدة الدينية في مصر القديمة مثّلت (فجر الضمير) بالنسبة للإنسانية وهو عنوان كتاب "هنري برستيد" الشهير ،لذا كان من الضروري أن يتصور المصريون القدماء أن للعدالة إلهة تمثلها وهي "ماعت" ربة العدالة ،وهي إلهة ذات مكانة خاصة في العقيدة المصرية القديمة.
وقد رمزت "ماعت" للتناغم والعدالة والصدق ،وصورها المصري القديم على هيئة امرأة شابة لها جناحان على ذراعيها وفوق رأسها ريشة نعام ،وهي الريشة التي تُوزن بها أعمال الناس يوم البعث  ،ومن هنا جاء المثل المصري الشهير "على راسه ريشة" !
يرتبط مفهوم "ماعت" بمفهوم الزمن الأول ويُترجم لصيغ مختلفة كما ذكرنا كالصدق ،والحقيقة ،والعدالة ،وفي البدء خرجت الآلهة من مياه "نون" وهو رمز الفوضى والإضطراب الكوني ،ومن المُفترض أن طبيعة الفيض الإلهي أنه مُنظّم وليس فوضويًّا ،لذا فإن جوهر الفيض الإلهي هو "ماعت".
"ماعت" كمفهوم وإلهة هي النظام الداخلي والروحي للكون منذ بدايته ، والكون الظاهري في مُجمله يعكس هذا النظام من نجوم وكواكب وفصول وأنهار ونباتات وحيوانات كلُّها في النهاية تتوافق وتتناغم مع "ماعت".
إذن "ماعت" هي من يتصدى للفوضى والإضطرابات والإنحطاط الأخلاقي ،ومن واجبات الحاكم إحياء مبادئ "ماعت" عند حدوث الإضطرابات التي تُهدد الأمن العام كالإعتداءات الخارجية والحروب الأهلية.
يجدر بالذكر أن "ماعت" كائن إلهي وأن نقيضها "إيسفت" ليس أكثر من مجرد مفهوم ،على سبيل المثال (الإضطراب الكوني من سمات "نون" والإضطراب الأخلاقي من سمات "ست") ولكن لا يوجد إله يُدعى "إيسفت" وليس له وضع وجودي في الديانة المصرية القديمة .
كان الملك كإله مُتجسِّد هو حلقة الوصل ما بين العالمين الإنساني والإلهي لذا هو المسؤول عن رفاهية البلاد وازدهار المجتمع ،وليس هذا فحسب بل هو أيضًا سببٌ في حدوث الظواهر الطبيعية كتعاقب الفصول وفيضان النيل ونمو المحاصيل...إلخ ،بعبارة أخرى على الملك أن يتأكد من أن القوى الإجتماعية والطبيعية في توافقٍ مع "ماعت" ،ودائمًا ما كانت تتعرض البلاد في فترة خلوِّ العرش للإضطراب والفوضى ويُمكن أن تستمر هذه المدة لعدة أشهر وفي هذه الفترة تُفلت مصر من قبضة "ماعت" ،ويظل خطر الفوضى قائمًا حتى يتم تتويج الملك الجديد.

اصطفاف آلهة الأقاليم أمام "ماعت"

في "دوات" العالم السفلي المصري قيل أن قلوب الموتى تُوزن في مقابل ريشة "ماعت" ،ولهذا السبب تُركت القلوب في المومياوات المصرية بينما تمت إزالة أعضائها الأخرى ،وإذا كان القلب أخف من أو يُعادل وزن ريشة "ماعت" فإنه يحيا حياةً فاضلة ويذهب إلى "آرو" الجنة أو حقول القصب حسب الميثولوجيا المصرية ،وإذا كان أثقل من الريشة فيلتهم قلبه الوحش "أمت" ويُحكم على صاحبه بالبقاء في "دوات" .
كانت "ماعت" هي النظير الأنثوي لـ "تحوت" أو القرينة ،وكما جاء في بردية قنا التي تعود للملكة الحديثة "تحوت وماعت يضبطان التوازن" .
في نهاية رحلته في العالم السفلي يقابل المرء الإله "أنوبيس" حارس بوابة قاعة "ماعت"الذي يفتح له الطريق لدخول القاعة الذي يحضر فيها آلهة أقاليم مصر الـ 42 ويملأون القاعة ،وتُصبح القاعة وكأنها أرض مصر ،وتصطف الآلهة أمام "ماعت" حاملين ريشتها على رؤوسهم وذلك تمثيلًا لاتحادهم وترابطهم الكامل بـ "ماعت" ،وبذلك يُصبح العالم السفلي بمثابة انعكاس ميتافيزيقي للعالم المادي (أرض مصر بأقاليمها الـ 42) وتتجمع كل تلك القوى الروحية لاختبار ومُحاكمة الروح "با" ،وهنا نذكر أن "ماعت" كانت تُعتبر الجوهر الإلهي الذي تتغذّى عليه الآلهة ،فهي الخبز الإلهي الذي يُنعش ويُدعِّم هؤلاء الذين في وئام وتوافق مع وجودها.
يُطلب من المرء أن يُخاطب كل إله بدوره ،وأن يُقدِّم إقرارًا مُزدوجًا ،الجزء الأول من هذا الإقرار يتضمن "الإعترافات السلبية " أو "قوانين ماعت" البالغ عددها 42 اعترافًا ،فيتوجه لكل إله باعترافٍ منهم ،وقوانين "ماعت" كما ترجمها "والس بدج Wallis Budge" :

01) أنا لم أرتكب خطيئة
02) أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالاكراه
03) أنا لم أسرق
04) أنا لم أقتل
05) أنا لم أسرق الطعام
06) أنا لم اختلس القرابين
07) أنا لم أسرق ممتلكات المعبد
08) أنا لم أكذب
09) أنا لم أخطف الطعام
10) أنا لم ألعن (أشتم)
11) أنا لم أغلق أذناى عن سماع كلمات الحق
12) أنا لم أزنى
13) أنا لم أتسبب فى بكاء الآخرين (ايذاء مشاعر الآخرين)
14) أنا لم أنتحب (أحزن) بدون سبب
15) أنا لم أعتدى على أحد
16) أنا لم أغش (أخدع) أحد
17) أنا لم أغتصب أرض أحد
18) أنا لم أتنصت (أتجسس) على أحد
19) أنا لم ألفق تهمة لأحد
20) أنا لم أغضب بدون سبب
21) أنا لم أغوى زوجة أحد
22) أنا لم أدنس (ألوث) جسدى
23) أنا لم أقم بارهاب أحد
24) أنا لم أخالف القانون
25) أنا لم أتمادى فى الغضب
26) أنا لم ألعن (أشتم) النترو
27) أنا لم أستخدم العنف ضد أحد
28) أنا لم أهدد السلام
29) أنا لم أتصرف بغوغائية (بدون تفكير)
30) أنا لم أتدخل فيما لا يعنينى
31) أنا لم أتحدث بالمبالغة (النميمة)
32) أنا لم أفعل الشر
33) أنا لم يصدر منى أفكار/كلمات/أفعال شريرة
34) أنا لم ألوث ماء النيل
35) أنا لم أتحدث بغضب أو استعلاء
36) أنا لم ألعن أحد بكلمة أو فعل
37) أنا لم أضع نفسى موضع شبهات
38) أنا لم أسرق ما يخص النترو
39) أنا لم أنبش القبور و لم أسئ الى الموتى
40) أنا لم أخطف لقمة من فم طفل
41) أنا لم أتصرف بكبر و غطرسه
42) أنا لم أخرب المبانى الدينية (المعابد)

أما الجزء الثاني من الإقرار المُزدوج ،فهو على النقيض من الإعترافات السلبية إقرارٌ بكل ما فعله المرء من خيرٍ وصدق وفضيلة ،ويبدأ الإقرار بأنه مثل الآلهة يعيش على "ماعت" ويتغذّى على "ماعت" ،والمعنى الضمني هنا هو أن الـ "با" أصبحت مُستقيمة داخليًّا وأن إرادة الإنسان توحدت مع الإرادة الإلهية.

المصادر:

1-كتاب كلمات التقاط الألماس من كلام الناس ليوسف زيدان.

2-https://en.wikipedia.org/wiki/Maat
3-The temple of cosmos the ancient Egyptian experience of the sacred by Jeremy Naydler
ميزان ماعت




الوحش أمت


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدهر الجهنمي

ردي على قصيدة (إلهي أبعد الواشين عني) للشاعرة الكبيرة (زاهية بنت البحر)

مُجاراتي لقصيدة (تعالَ) للشاعرة القديرة عطاف سالم..