مجرة درب التبانة The Milky Way ج٢



وراء الإنتفاخ المجري Galactic Bulge يمتد القرص المجري Galactic Disk ،يبلغ عرض هذا القرص حوالي 100000 سنة ضوئية ويبلغ سمكه حوالي 1000 سنة ضوئية ،وهو موطن لغالبية نجوم المجرة بما فيهم شمسنا العزيزة ،وتنتشر النجوم الموجودة في هذا القرص على هيئة سحب من الغبار والغاز النجمي ،وتدور هذه النجوم حول مركز المجرة وتشكل تيارات دوامية تبدو وكأنها أذرع تنبعث من الإنتفاخ المجري ،صحيح أن البحث حول تشكل الأذرع الحلزونية Spiral arms مايزال في بداياته ولكن أحدث الدراسات تشير إلى أن هذه الأذرع تتشكل وتنتشر خلال فترات قصيرة نسبيّا تصل إلى 100مليون سنة ( من أصل 13 مليار سنة من تطور المجرة ).
داخل تلك الأذرع تكتظ النجوم والغبار والغاز بشكل أكثر إحكامًا وكثافة من تلك المناطق الممتلئة بشكل فضفاض في القرص المجري ،وهذه الكثافة المتزايدة تؤدي إلى تكوين نجوم أكثر وأكثر ،نتيجة لذلك فإن النجوم المتواجدة في القرص المجري أصغر سنًّا بكثير من تلك الموجودة في الإنتفاخ.
نستطيع القول أن الأذرع الحلزونية تشبه إلى حد كبير الإختناقات المرورية حيث يتزاحم الغاز والنجوم معًا ،ومع مرور المادة عبر الأذرع المكتظة يتم ضغطها وهذا يؤدي إلى المزيد من تكوين النجوم حسب رأي العلماء.


منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي وعلماء الفلك يقرون بأن قرص مجرة درب التبانة ليس مستويًا أو مسطحًا وإنما منحنيًا إلى الأعلى من جانب وإلى الأسفل من الجانب الآخر ،وظل الجدال محتدمًا لسنوات حول سبب التواء القرص المجري Galactic disk ،وقد قدموا عدة مقترحات منها تأثير المجال المغناطيسي بين المجرات Intergalactic magnatic field أو تأثير هالة المادة المظلمة Dark matter halo وهي كمية هائلة من المادة غير المرئية يُعتقد أنها تحيط بالمجرات ،فإذا كان لهذه المادة شكل غير منتظم فإن قوة جاذبيتها ممكن أن تؤدي إلى إنحناء قرص المجرة ،وهناك افتراضٌ آخر أن هذا الإلتواء سببه الإصطدام بمجرة أخرى.
وطبقًا للمسح الذي قام به مرصد "Gaia" الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA لأكثر من مليار نجم في مجرتنا من الممكن الوصول لحل هذا اللغز ،وقد أكد فريق من علماء الفلك أن هذا الإلتواء ليس ثابتًا لكنه يغير اتجاهه بمرور الوقت ،ويطلق علماء الفلك على هذه الظاهرة اسم "المبادرة" أو "المداورة" Precession وهي حركة دائرية متغيرة حول محور يسمى محور "المبادرة" شبيهة بحركة لعبة الأطفال الشهيرة "النحلة الخشبية" .
وقرص المجرة يدور حول مركز المجرة بشكل أبطأ بكثير من النجوم الموجودة داخله ،ويكمل دورة كاملة في حوالي 600 إلى 700 مليون سنة .


حول القرص والإنتفاخ المجري تتناثر العناقيد النجمية الكروية Globular clusters وتجمعات من النجوم القديمة بالإضافة إلى 40 مجرة قزمة تدور حول مجرة درب التبانة أو تتصادم معها .والعنقود النجمي الكروي هو عبارة عن تكتل كروي من النجوم ترتبط ببعضها البعض عن طريق الجاذبية يمكن أن تحتوي على عشرات الآلاف إلى عدة ملايين من النجوم ،تدور جميعها في تكوين مستقر ومضغوط وتتشابه في شكلها مع المجرات الكروية القزمة .
كل ذلك محاط بهالة كروية من الغاز والغبار يبلغ عرضها ضعف حجم القرص ،ويعتقد علماء الفلك أن المجرة بأكملها مدمجة في هالة أكبر هي المادة المظلمة غير المرئية Invisible dark matter ،وبما أن المادة المظلمة لا تبعث أي ضوء ،فلا يمكن الإستدلال على وجودها إلا بشكل غير مباشر من خلال تأثير جاذبيتها على حركات النجوم في المجرة وعلى شكل القرص المجري ،وتشير الحسابات أن هذه المادة الملغزة تشكل ما يصل إلى 90% من كتلة المجرة .
تعادل كتلة درب التبانة بما تتضمنها من المادة المظلمة 1.5 تريليون كتلة شمسية وفقًا لتقديرات وكالة ناسا الأخيرة ،تتوزع المادة المرئية للمجرة بين نجومها البالغ عددها حوالي 200 مليار نجم وكواكبها وسحب الغبار والغاز الضخمة التي تملأ الفضاء بين النجوم .
علماء الفلك ليسوا متأكدين تمامًا من عدد الكواكب الموجودة في مجرة درب التبانة نظرًا لأننا لم نعثر سوى على بضعة آلاف فقط ،لكن أحد تقديرات وكالة ناسا يشير إلى أنها أكثر من 100 مليار كوكب ،كما أن عدد الأنظمة الشمسية في المجرة تعد لغزًا أيضًا لأننا مازلنا في مرحلة البحث عن الكواكب .


هناك عدة مجرات قريبة جدًا من مجرة درب التبانة ويبلغ عددها ما يقارب 40 مجرة من بينهم المجرة العملاقة أندروميدا Andromeda ،وكوكبة المثلث Triangulum ،والمجرة القزمة Leo 1 وذلك على سبيل المثال لا الحصر ،هؤلاء الجيران أقرب إلينا مما نعتقد وهي جيرة لا تبشر بالخير !!
مجرة درب التبانة تندفع حاليًا نحو أندروميدا بسرعة 250 ألف ميل في الساعة ( 400 ألف كم/س ) ،وعلى الرغم من ذلك لا يوجد داعي للقلق حتى الآن ،لأن هذا التصادم الكوني المروع لن يحدث قبل 4 مليارات سنة قادمة وربما أكثر .
تراقب وكالة ناسا ووكالات الفضاء الأخرى منذ عقود تصادمات المجرات البعيدة للتعرف على ما قد نواجهه عند اصطدام مجرتي درب التبانة وأندروميدا ،المثير في الأمر بغض النظر عن القلق المحتمل هو أننا نراقب كيف يمكن أن تتطور المجرات .
على سبيل المثال رصد تلسكوب هابل الفضائي اصطدام مجري ثلاثي Three way galactic collision في عام 2021 مما أعطى علماء الفلك لمحة مبكرة عن مصير درب التبانة .
فعلى بعد حوالي 750 مليون سنة ضوئية في كوكبة الوشق Constellation lynx يقع النظام الثلاثي المجري Arp 195 ويُسمى أيضًا UGC 04653 وهو يتكون من ثلاث مجرات تمزق بعضها البعض وكأنهم يلعبون معًا لعبة شد الحبل ثلاثية الجاذبية ،وهذا هو المصير الذي يتوقعه علماء الفلك لمجرتنا عندما تصطدم بأندروميدا بعد 4.5 مليار سنة وفقًا لتقييم وكالة الفضاء الأوروبية .
بالتأكيد بعد عملية الإصطدام ستتمزق أذرع المجرة ،إلا أن النجوم الفردية ستكون آمنة نسبيًا لأن المسافات بينها كبيرة جدًا ،ومع ذلك فإن ولادة النجوم ستتسارع بسبب كمية الغاز التي سيتم ضخها إلى مجرتنا مما سيتسبب في سطوعها أكثر وزيادة عدد سكانها (النجوم) في ملايين السنين القادمة بعد الإصطدام .
وهنا يجب أن نطرح سؤالًا : هل سيكون نظامنا الشمسي آمن أثناء ذلك ؟!
سيكون آمنًا نسبيًّا بسبب انخفاض خطر تصادم النجوم ،ولكن ربما نجد أنفسنا في مسار مختلف تمامًا حول مركز مجرة جديد ،وسأترك لكم تخيل شكل الحياة على الأرض إن استمرت مع هذا الوضع الجديد !!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدهر الجهنمي

الإلهة المصرية "ماعت"

القطعة الجدارية بركة في الحديقة